فصل: مسائل في السخط والرضا والعدل والصدق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفصل في الملل والنحل **


 مسائل في السخط والرضا والعدل والصدق

والملك والخلق والجود والإرادة والسخاء والكرم وما يخبر عنه تعالى بالقدرة عليه وكيف يصح السؤال في ذلك كله قال أبو محمد نقول لم يزل الله تعالى عالماً بأنه سيسخط على الكفار وسيرضى على المؤمنين وسيعذب بالنار من عصاه وسينعم بالجنة من أطاعه وسيعدل إذا حكم وسيصدق إذا أخبر ولم يزل عالماً بأنه سيخلق ما يخلق وأنه رب ما يخلق من العالمين ومالك كل شيء ويوم الدين وأن له ملك كل ما يخلق لأن كل ما ذكرنا يقتضي وجود كل ما علق به وكل ما علق به محدث لم يكن ثم كان ولم يزل تعالى عليماً بكل ذلك وأنه سيكون كل ما يكون على ما هو كائن عليه إذا كونه وأما الإرادة فقد أثبتها قوم من صفات الذات وقالوا لم تزل الإرادة ولم يزل الله تعالى قال أبو محمد وهذا خطأ لبرهانين ضروريين أحدهما أن الله تعالى لم ينص على أنه مريد ولا على أن له إرادة وقد قدمنا البرهان فيما سلف من كتابنا على أنه لا يجوز أن يشتق لله أسماء ولا صفات وأوردنا من ذلك أنه لا يقال أنه تعالى متبارك ويقال تبارك الله ولا يقال أنه مستهزىء ويقال الله يستهزىء بهم ولا أنه عاقل وكذلك لا يجوز أن يقال أنه تعالى باق ولا دائم ولا ثابت ولا سخي ولا جواد لأنه تعالى لم يسم به نفسه لكن يقال المتعالي كما قال تعالى ويقال هو الكريم الغني ولا يقال الموسر ويقال هو القوي ولا يقال الجلد ويقال لم يزل ولا زال هو الأول والآخر والظاهر والباطن ولا يقال هو الخفي ولا الغائب ولا البارز ولا المشتهر ويقال هو الغالب على أمره ولا يقال هو الظافر والمعني في كل ما ذكرنا من اللغة واحد فمن أطلق عليه تعالى بعض هذه الصفات والأسماء ومنع من بعضها فقد ألحد في أسمائه عز وجل وأقدم إقداماً عظيماً نعوذ بالله من ذلك وأيضاً فإن الإرادة من الله تعالى لو كانت لم تزل لكان المراد لم يزل بنص القرآن لأن الله عز وجل قال‏.‏

إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون‏.‏

فأخبر تعالى أنه إذا أراد الشيء كان وأجمع المسلمون على تصويب قول من قال ما شأ الله كان والمشيئة هي الإرادة فصح بما ذكرنا صحة لا شك فيها أن الواجب أن يقال أراد الله كما قال تعالى إذا أراد شيئاً ونقول أنه تعالى يريد ما أراد ولا يريد ما لم يرد كما قال تعالى‏.‏

يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر‏.‏

وقال تعالى‏.‏

أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم وإذا أراد الله بقوم سوءًا‏.‏

وقال تعالى‏.‏

فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً‏.‏

فنحن نقول كما قال الله تعالى أراد ويريد ولم يرد ولا يريد ولا نقول أن له إرادة ولا أنه مريد لأنه لم يأت نص من الله تعالى بذلك ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم ولا جاء ذلك قط من أحد من السلف رضي الله عنهم أجمعين ولا بحدود الكلام وحقائق مائيات المخلوقات وكيفياتها فهم يتبعون ما ترآى لهم ويقتحمون المهالك بلا هدىً من الله عز وجل نعوذ بالله من ذلك وقد قال تعالى‏.‏

ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم‏.‏

فنص تعالى على أن من لم يرد ما اختلف فيه إلى كتابه وإلى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم وإلى إجماع العلماء من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين ولا من سلك سبيلهم بعدهم فلم يعلم ما استنبطه بظنه ورأيه وليس ننكر المحاجة على القصد إلى تبيين الحق وتبينه بل هذا هو العمل الفاضل الحسن وإنما ننكر الإقدام في الدين بغير برهان من قرآن أو سنة أو إجماع بعد أن أوجبه برهان الحس وأول بديهة العقل والنتائج الثابتة من مقدماته الصحيحة من صحة التوحيد والنبوة فإذا ثبتا بما ذكرنا فضرورة العقل توجب الوقوف عند جميع ما قاله لنا الرسول الذي بعثه الله تعالى إلينا وأمرنا بطاعته وأن لا يعترض عليه بالظنون الكاذبة والآراء الفاسدة والقياسات السخيفة والتقليد المهلك فإن قال قائل وما الذي يمنع من أن نقول لم يزل الله مريداً لما أراد كونه إذا كونه قلنا وبالله تعالى التوفيق يمنع من ذلك أن الله عز وجل أخبر نصاً بأنه إذا أراد شيئاً كونه فكان فلو كان تعالى لم يزل مريداً لكان لم يزل ما يريد وهذا إلحاد ويقال لهم أيضاً وما الفرق بينكم وبين من عكس قولكم فقال لم يزل الله تعالى غير مريد لأن يخلق حتى خلق وهذا لا انفكاك منه قال أبو محمد ولو أن قائلاً يقول أن الخلق هو المراد كونه من الله تعالى فهو مراد الله تعالى وهو الإرادة نفسها وأنه لا إرادة له إلا ما خلق لما أنكرنا ذلك وإنما ننكر قول من يجعل الإرادة صفة ذات لم تزل لأنه يصف الله تعالى بما لم يصف الله تعالى به نفسه وقول من يجعلها صفة فعل وأنها غير الخلق لأنه يلزمه أن تلك الإرادة إما مرادة مخلوقة وإما غير مرادة ولا مخلوقة فإن قال هي مرادة مخلوقة قيل له أهي مرادة بإرادة هي غيرها ومخلوقة بخلق هو غيرها أم لا بإرادة ولا بخلق فإن قال هي مرادة بلا إرادة أتى بالمحال الذي يبطله العقل ولم يأت به نص فيلزمه الوقوف عنده وكذلك قوله مخلوقة بغير خلق وإن قال هي مرادة بإرادة هي غيرها ومخلوقة بخلق هو غيرها لزمه في إرادة الإرادة وخلق خلقها ما ألزمناه في الإرادة وفي خلقها وهكذا أبداً وهذا يوجب وجود محدثات لا نهاية لعددها وهذا هو قول الدهرية الذي أبطله الله تعالى بضرورة العقل والنص على ما بينا في صدر كتابنا وبالله تعالى التوفيق فإن قال إن الإرادة ليست مرادة ولا مخلوقة أتى بقول يبطله ضرورة العقل لأن القول بإرادة غير مرادة ولا مخلوقة أتى بقول يبطله ضرورة العقل لأن القول بإرادة غير مرادة محال غير موجود لا بحس فيما بيننا ولا بدليل فيما غاب عنا فهو قول بمجرد الدعوى فهو باطل ضرورة وكذلك يلزمه إن قال أنها محدثة غير مخلوقة ما يلزم من قال أن العالم محدث لا محدث له وقد تقسم بطلان هذا القول بالبراهين الضرورية وبالله تعالى التوفيق وأما تسمية الله عز وجل جواداً سخياً أو صفته تعالى بأن له تعالى جوداً وسخاءً فلا يحل ذلك البتة ولو أن المعتزلة المقدمين على تسمية ربهم جواداً يكون لهم علم بلغة العرب أو بحقيقة الأسماء ووقوعها على المسميات أو بمعاني الأسماء والصفات ما أقدموا على هذه العظيمة ولا وقعوا في الائتساء بالكفار القائلين أن علة خلق الله تعالى لما خلق إنما هي جودة حتى أوقعهم ذلك في القول بأن العالم لم يزل ولكن المعتزلة معذورون بالجهل عذراً يبعدهم عن الكفر ولا يخرجهم عن الإيمان لا عذراً يسقط عنهم الملامة لأن التعلم لهم معروض ممكن ولكن لا هادي لمن أضل الله تعالى ونعوذ بالله من الخذلان قال أبو محمد والمانع من ذلك وجهان أحدهما أنه تعالى لم يسم بذلك نفسه ولا وصف به نفسه ولا يحل لأحد أن يتعدى حدود الله لاسيما فيما لا دليل فيه إلا النص فقط والوجه الثاني أن الجود والسخاء في لغة العرب التي بها خاطبنا الله تعالى وبها نتفاهم مرادنا إنما هما لفظان واقعان على بذل الفضل عن الحاجة لا يعبر بلفظ الجود والسخاء إلا عن هذا المعنى وهذا المعنى مبعد عن الله عز وجل لأنه تعالى لا يحتاج إلى شيء فيكون له فضل ببذله فيسمى ببذله له سخياً وجواداً ويوصف من أجل بذله بجود وسخاءٍ أو يكون بمنعه بخيلاً أو شحيحاً أو موصوفاً ببخل أو شح قال أبو محمد ولا يختلف اثنان من كل من في العالم في أن امرءًا له ماء عذب حاضر لا يحتاج إليه وطعام عظيم فاضل لا حاجة به إليه ورأى رجلاً من عرض الناس أو عبداً من عبيده يموت جوعاً وعطشاً فلم يسقه ولا أطعمه فإنه في غاية البخل والشح والقسوة والظلم والله تعالى يرى كثيراً من عباده وأطفالاً من أطفالهم لا ذنب لهم وهم يموتون جوعاً وعطشاً وعنده مخادع السموات وخزائن الأرض ولا يرحمهم بنقطة ماء ولا لقمة طعام حتى يموتوا كذلك ولا يوصف من أجل ذلك بشح ولا بخل ولا ظلم ولا قسوة بل هو أرحم الراحمين والرحيم الكريم والذي لا يظلم ولا يجور كما سمى نفسه فبطل قياسهم الفاسد في الصفات الغائب عندهم على الشاهد وبطل أن يوصف الله عز وجل بشيءٍ من ذلك وليس لأحد أن يحيل الأسماء اللغوية عن موضعها في اللغة إلا أن يأتي نص بإحالة شيءٍ من ذلك فيوقف عنده ومن تعدى هذا الحكم فإنه مبطل للتفاهم كله نعم وللحقائق بأسرها إلا أنه لا يعجز أحد عن أن يسمي الباطل حقاً والحق باطلاً وأن يحيل الأسماء كلها عن مواضعها وهذا خروج عن الشرائع والمعقول ولكننا نقول أنه كريم كما قال تعالى ولا يبعد عنا أن تسمى نعم الله على عباده على عباده كرماً وأن الله تعالى كريماً نستحسن إطلاق ذلك ونسميها أيضاً فضلاً‏.‏

قال الله تعالى‏.‏

ذلك فضل الله‏.‏

وقد ثبت النص بأن له تعالى كرماً وحدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد أنا إبراهيم بن أحمد أنبأنا الفربري أنا البخاري قال لي خليفة بن خياط أنا يزيد بن زريع أنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك وعن معتمر بن سليمان سمعت أبي يحدث عن قتادة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يزال يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع فيها رب العالمين قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قد قد بعزتك وكرمك قال أبو محمد وقد اضطرب الناس في السؤال عن أشياء ذكروها وسألوا هل يقدر الله تعالى عليها أم لا واضطربوا أيضاً في الجواب عن ذلك قال أبو محمد ونحن مبينون بحول الله وقوته وجه تحقيق السؤال عن ذلك وتحقيق الجواب فيه دون تخليط ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فنقول وبالله تعالى التوفيق أن السؤال إذا حقق بلفظ يفهم السائل منه مراد نفسه ويفهم المسئول مراد السائل عنه فهو سؤال صحيح والجواب عنه لازم ومن أجاب عنه بأن هذا سؤال فاسد وأنه محال فإنما هو جاهل بالجواب منقطع متسلل عنه وأما السؤال الذي يفسد بعضه بعضاً وينقض آخره أوله فهو سؤال فاسد لم يحقق بعد وما لم يحقق السؤال عنه فلم يسأل عنه وما لم يسأل عنه فلا يلزم عنه جواب على مثله فهاتان قضيتان جامعتان وكافيتان في هذا المعنى لا يشذ عنهما شيء منه إلا أنه لابد من جواب ببيان حوالته لا على تحقيقه ولا على تشكله ولا على توهمه وبالله تعالى التوفيق ثم نحد‏.‏

المسئول عنه في هذا الباب بحدٍ جامع بحول الله تعالى وقوته فيرتفع الإشكال في هذه المسألة إن شاء الله تعالى فنقول وبالله تعالى التوفيق وبه نتأيد أن الشيء المسئول عنه في هذا الباب إن كان إنما سأل السائل عن القدرة على إحداث فعل مبتدأ أو على إعدام فعل مبتدأ فالمسئول عنه مقدور عليه ولا تحاشى شيئاً والسؤال صحيح والجواب عنه بنعم لازم وإن كان المسئول عنه ما لا ابتدأ له فالسؤال عن تغييره أو إحداثه أو إعدامه سؤال متفاسد لا يمكن السائل عنه فهم معنى سؤاله ولا تحقيق سؤاله وما كان هكذا لا يلزم الجواب عنه على تحقيقه ولا على تشكله لأن الجواب عن التشكل لا يكون إلا عن سؤال وليس ها هنا سؤال أصلاً ثم نقول وبالله تعالى نتأيد أن من الواجب أن نبين بحول الله تعالى وقوته ما المحال وعلى أي معنى تقع هذه اللفظة وعما ذا يعبر با عنه فإن من قام بشيء ولم يعرف تحقيق معناه فهو في غمرات من الجهل فنقول وبالله تعالى نتأيد إن المحال ينقسم أربعة أقسام لا خامس لها أحدها محال بالإضافة والثاني محال في الوجود والثالث محال فيما بيننا في بنية العقل عندنا والرابع محال مطلق فالمحال بالإضافة مثل نبات اللحية لابن ثلاث سنين وإحباله امرأة وكلام الأبله الغبي في دقائق المنطق وصوغه الشعر العجيب وما أشبه هذا فهذه المعاني موجودة في العالم ممن هي ممكنة منه ممتنعة من غيرهم وأما المحال في الوجود فكانقلاب الجماد حيواناً والحيوان جماداً أو حيواناً آخر وكنطق الحجر واختراع الأجسام وما أشبه هذا فإن هذا كله ليس ممكناً عندنا البتة ولا موجوداً ولكنه متوهم في العقل متشكل في النفس كيف كان يكون لو ن وبهذين القسمين تأتي الأنبياء عليهم السلام في معجزاتهم الدالة على صدقهم في النبوة وأما المحال فيما بيننا في بنية العقل فكون المرء قائماً قاعداً لا قاعداً معاً وسائر ما لا يتشكل في العقل فيما يقع فيه التأثير لو أمكن فيما دون الباري عز وجل فهذه الوجوه الثلاثة من سأل عنها أيقدر الله تعالى عليها فهو سؤال صحيح مفهوم معروف وجهه يلزم الجواب عنه بنعم إن الله قادر على ذلك كله إلا أن المحال في بنية العقل فيما بيننا لا يكون البتة في هذا العالم لا معجزة لنبي ولا بغير ذلك البتة هذا واقع في النفس بالضرورة ولا يبعد أن يكون الله تعالى يفعل هذا في عالم له آخر وأما المحال المطلق فهو كل سؤال أوجب على ذات الباري تغييراً فهذا هو المحال لعينه الذي ينقض بعضه بعضاً ويفسد آخره أوله وهذا النوع لم يزل محالاً في علم الله تعالى ولا هو ممكن فهمه لأحد وما كان هكذا فليس سؤالاً ولا سأل سائله عن معنى أصلاً وإذا لم يسأل فلا يقتضي جواباً على تحقيقه أو توهمه لكن يقتضي جواباً بنعم أو لا لئلا ينسب بذلك إلى وصفه تعالى بعدم القدرة الذي هو العجز بوجه أصلاً وإن كنا موقنين بضرورة العقل بأن الله تعالى لم يفعله قط ولا يفعله أبداً وهذا مثل من سأل أيقدر الله تعالى على نفسه أو على أن يجهل أو على أن يعجز أو أن يحدث مثله أو على إحداث ما لا أول له فهذه سؤالات تفسد بعضها بعضاً تشبه كلام الممرورين والمجانين وكلام من لا يفهم وهذا النوع لم يزل الله تعالى يعلمه محالاً ممتنعاً باطلاً قبل حدوث العقل وبعد حدوثه أبداً وأما المحال في العقل وهو القسم الثالث الذي ذكرنا قبل فإن العقل مخلوق محدث خلقه الله تعالى بعد أن لم يكن وإنما هو قوة من قوى النفس عرض محمول فيها أحدثه الله تعالى وأحدث رتبه على ما هي عليه مختاراً لذلك تعالى وبضرورة العقل نعلم أن من اخترع شيئاً لم يكن قط لا على مثال سلف ولا عن ضرورة أوجبت عليه اختراعه لكن اختار أن يفعله فإنه قادر على ترك اختراعه قادر على اختراع غيره مثله أو خلافه ولا فرق بين قدرته على بعض ذلك وبين قدرته على سائره فكل ما خلقه الله تعالى محالاً في العقل فقط فإنما كان محالاً مذ جعله الله تعالى محالاً وحين أحدث صورة العقل لا قبل ذلك فلو شاء تعالى أن لا يجعله محالاً لما كان محالاً وكذلك من سأل هل يقدر الله تعالى على أن يجعل شيئاً موجوداً معدوماً معاً في وقت واحد أو جسماً في مكانين أو جسمين في مكان وكل ما أشبه هذا فهو سؤال صحيح والله تعالى قادر على كل ذلك لو شاء أن يكونه لكونه ومن البرهان على ذلك ما نراه في منامنا مما لا شك أنه محال في حال اليقظة ممتنع يقيناً ونراه في منامنا ممكناً محسوساً مرئياً ببصر النفس مسموعاً بسمعها فبالضرورة يدري كل ذي حس أن الذي جعل المحال ممكناً في النوم كان قادراً على أن يوجده ممكناً في اليقظة وكذلك من سأل هل الله تعالى قادر على أن يتخذ ولداً فالجواب أنه تعالى قادر على ذلك وقد نص عز وجل على ذلك في القرآن قال الله تعالى‏.‏

لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء‏.‏

وكذلك قال تعالى‏.‏

لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين‏.‏

قال أبو محمد ومن لم يطلق أن الله عز وجل يقدر على ذلك وحسن قوله بأن قال لا يوصف الله بالقدرة على ذلك فقد قطع بأن الله عز وجل لا يقدر إذ لا واسطة فيمن يوصف بالقدرة على شيء ما ثم وصف في شيء آخر بأنه لا يقدر عليه فقد خرج من أنه لا يقدر عليه وإذا وجب أن لا يقدر فقد ثبت أنه عاجز ضرورة عما لا يقدر عليه ولابد ومن وصف الله تعالى بالعجز فقد كفر وأيضاً فإن من قال لا يوصف الله تعالى بالقدرة على المحال فقد جعل قدرته سبحانه وتعالى متناهية وجعل قوته عز وجل منقطعة محدودة وملزومة بذلك ضرورة أن قوته تعالى متناهية عرض وأنه تعالى فاعل بطبيعة فيه متناهية وهذا تحديد للباري عز وجل وكفر به مجرد وادخال له في جملة المخلوقين ومعنى قولنا أن الله تعالى يقدر على المعدوم وعلى المحال إنما هو ما نبينه إن شاء الله تعالى وهو أن سؤال السائل عن المحال وعن المعدوم وهو بلا شك سؤال موجود مسموع ملفوظ به فجوابنا له هو أنا حققنا أن الله تعالى قادر على أن يخلق لذلك اللفظ معنى يوجده وهذا جواب صحيح معقول وهذا قولنا وليس إلا هذا القول وقول على الأسواري الذي يقول أن الله تعالى لا يقدر على غير ما علم أنه يفعله جمله وأما من خالفنا وخالف الأسواري فلا بد له من الرجوع إلى قولنا أو الوقوع في قول الأسواري وإن زعم لأنه متى ما وصف الله تعالى بالقدرة على شيء لم يفعله من إبراء مريض أو خلق شيء أو تحريك شيء ساكن فإنه قدر وصفه بالقدرة على إحالة علمه وتكذيب حكمه وتكذيب حكمه وهذا هو المحال فقد قال بقولنا ولا بد أو بقول الأسواري ولابد وأما كل سؤال أدى إلى القول في ذاته عز وجل فإننا نقول إن كل ما سأل عنه سائل لا نحاشي شيئاً فإن الله تعالى قادر عليه غير عاجز عنه إلا أن من السؤالات سؤالات لا يستحل سماعها ولا يستحل النطق بها ولا يحل الجلوس حيث يلفظ بها وهي كل ما فيها كفر بالباري تعالى واستخفاف به أو بنبي من أنبيائه أو بملك من ملائكته أو بآية من آياته عز وجل قال عز وجل‏.‏

أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم‏.‏

وقال عز وجل‏.‏

قال أبو محمد ولو أن سائلاً سالنا هل الله قادر على أن يمسخ هذا الكافر قرداً أو كلباً لقلنا نعم ولو أنه أراد أن يسألنا هذا السؤال فيمن يلزمنا تعظيمه من ملك أو نبي أو صاحب نبي أو مسلم فاضل لم يحل لنا الاستماع إليه ولكنا قد أجبناه جواباً كافياً بأن الله تعالى قادر على كل ما يسأل عنه لا نحاشى شيئاً فمن تمادى بعد هذا الجواب الكافي فإنما غرضه التشنيع فقط والتمويه وهذان من دلائل العجز عن المناظرة والانقطاع والحمد لله رب العالمين قال أبو محمد والناس في هذا الباب على أقسام فمبدؤها من الطرف قول من قال لا يوصف الله تعالى بالقدرة على غير ما يفعل وهو قول على الأسواري أحد شيوخ المعتزلة واعلموا أنه لابد لكل من منع من أن يقدر الله تعالى على محال أو على شيء مما يسال عنه السائل فلابد ضرورة من المصير إلى هذا القول وظهور تناقضه وتفاسد قوله وخروجه إلى المحال البحث الذي فر عنه بزعمه على ما نبينه بعد هذا إن شاء الله تعالى قال أبو محمد وقد قالت طائفة بمعنى هذا القول إلا أنها استشنعت عبارة الأسواري فقالت إن الله تعالى قادر على كل شيء ولكن إن سألنا سائل فقال أيقدر الله تعالى على أمر كذا مع تقدم علمه بأنه لا يكون قالوا فالجواب أنه تعالى لا يوصف بالقدرة على ذلك قال أبو محمد وهذا الإخفاء لأنهم أوجبوا قدرته وأعدموها على شيء واحد وهو الباطل بلا خفاء وقالت طائفة إن الله تعالى قادر على غير ما فعل إلا أنه لا يوصف بالقدرة على أصلح مما فعل بعباده وهو قول جمهور المعتزلة وقالت طائفة أن الله تعالى قادر على غير ما فعل إلا أنه لا يقدر على الظلم ولا على الجور ولا على اتخاذ الولد ولا على إظهار معجزة على يد كذاب ولا على شيء من المحال ولا على نسخ التوحيد وهذا قول النظام وأصحابه والأشعرية وإن كانوا مختلفين في مائية الظلم وقالت طائفة أن الله تعالى قادر على غير ما فعل وعلى الجور والظلم والكذب إلا أنه لا يقدر على المحال مثل أن يجعل الشيء معدوماً موجوداً معاً وقائماً قاعداً معاً أو في مكانين معاً وهذا قول البلخي وطوائف من المعتزلة قال أبو محمد والذي عليه أهل الإسلام كلهم ومن سلف من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم قبل أن تحدث هذه الضلالات وهذا الإقدام الشنيع الذي لولا ضلال من ضل به ما انطلقت ألسنتنا به ولا سمحت أيدينا بكتابته ولكنا نحكيه حكاية الله ضلال من ضل فقال المسيح ابن الله والعزير ابن الله ويد الله مغلولة والله فقير ونحن أغنياء وإذ قال للإنسان اكفر وكما أنذر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن الناس لا يزالون يتساءلون فيما بينهم حتى يقولوا هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله فقول أهل الإسلام عامتهم وخاصتهم قبل ما ذكرنا هو أن الله تعالى فعال لما يشاء وعلى كل شيء قدير وبهذا جاء القرآن وكل مسئول عنه وإن بلغ الغاية من قال أبو محمد وقال لي بعضهم إن القرآن إنما جاء بأن الله تعالى يفعل ما يشاء ونحن لا ننكر هذا وإنما نمنع من أن يوصف الله تعالى بالقدرة على ما لا يشاء وبالقدرة على ما ليس بشيء فقلت له قد قال الله تعالى يرزق من يشاء ويقدر فعم عز وجل ولم يخص فلا يحل لأحد تخصيص قدرته تعالى أصلاً وقال تعالى‏.‏

قل إن الله قادر على أن ينزل آية‏.‏

وقال تعالى‏.‏

ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين‏.‏

وقال تعالى‏.‏

إنا لقادرون على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون‏.‏

وقال تعالى‏.‏

ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون‏.‏

وقال تعالى‏.‏

أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى‏.‏

وقال تعالى عن نوح النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏.‏

استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهاراً‏.‏

مع قوله تعالى‏.‏

إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن‏.‏

وقال تعالى‏.‏

قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم‏.‏

وقال تعالى‏.‏

عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن‏.‏

فهذا نص على أن يفعل خلاف ما سبق في علمه من هدى من علم أنه لا يهديه ومن تعذيب من علم أنه لا يعذب أبداً وتبديل أزواج قد علم أنه لا يبدلهن أبداً وكل هذا نص على قدرته على إبطال علمه الذي لم يزل وعلى تكذيب قوله الذي لا يكذب أبداً ومثل هذا في القرآن كثير فمن أعجب قولاً وأتم ضلالة ممن يوجب بقوله إن الله تعالى كذب وأنه تعالى مع ذلك غير قادر على الكذب مع قوله تعالى‏.‏

عند مليك مقتدر‏.‏

وقال تعالى‏.‏

هو العليم القدير‏.‏

وقوله تعالى‏.‏

وكان الله عليماً قديراً‏.‏

فأطلق تعالى لنفسه القدرة وعم ولم يخص فلا يجوز تخصيص قدرته بوجه من الوجوه قال أبو محمد فإن قال قائل فما يؤمنكم إذ هو تعالى قادر على الظلم والكذب والمحال من أن يكون قد فعله أو لعله سيفعله فتبطل الحقائق كلها ولا تصح ويكون كلما أخبرنا به كذباً قال أبو محمد وجوابنا في هذا هو أن الذي أمننا من ذلك ضرورة المعرفة التي قد وصفها الله تعالى في نفوسنا كمعرفتنا أن ثلاثة أكثر من اثنين وأن المميز مميز والأحمق أحمق وأن النخل لا يحمل زيتوناً وأن الحمير لا تحمل جمالاً وأن البغال لا تتكلم في النحو والشعر والفلسفلة وسائر ما استقر في النفوس علمه ضرورة وإلا فليخبرونا ما الذي أمنهم ما ذكرنا ولعله قد كان أو سيكون ولا فرق فإذ قد صح إطباق كل من يقر بالله من جميع الملل أن هذا العالم ليس في بنيته كون المحال المذكور فيه مع موافقته أكثر المخالفين لنا على أن هذا كله فإن الله تعالى قادر عليه ولكن لا يفعله فالذي أمنهم من أنه تعالى يفعله هو الذي أمننا من أن نفعل ما قالوا لنا فيه لعله قد فعله أو سيفعله ولا فرق وإن هذا العالم ليس في بنيته كون المحال المذكور فيه وأنه تعالى لا يجور ولا يكذب وبالضرورة الموجبة علمنا القول بحدوث العالم وبأن له صانعاً لا يشبهه لم يزل وبان ما ظهر من الأنبياء عليهم السلام فمن عنده تعالى وأن تلك المعجزات موجبة تصديقهم وهم أخبرونا أن الله تعالى لا يكذب ولا يظلم وأنه تعالى قد أخبرنا بأنه قد تمت كلماته صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وأنه تعالى قادر وليس كل ما يقدر عليه يفعله فإن كان السائل من هذا متديناً بدين الإسلام أو النصارى أو اليهود أو المجوس أو الصابئين أو البراهمة أو كل من يدين بأن الله حق فإنهم مجمعون على أنه تعالى لا يكذب ولا يظلم وكل من نفى الخالق فليس فيهم أحد يقول أنه يظلم أو يكذب فقد صح إطباق جميع سكان الأرض قديماً وحديثاً لا نحاشي أحداً على أن الله تعالى لا يظلم ولا يكذب فلو لم يكونوا مضطرين إلى القول بهذا لوجد فيهم ولو واحد يقول بخلاف ذلك ومن المحال أن تجتمع طبائعهم كلهم على هذا إلا لضرورة وضعها الله عز وجل في نفوسهم كضرورتهم إلى معرفة ما أدركوه بحواسهم وبداية عقولهم وأيضاً فنقول لمن سأل هذا السؤال أيمكن أن يكون إنسان في الناس قد توسوس وأوهمته ظنونه الكاذبة وتخيله الفاسد وهوسه أن الأشياء على خلاف ما هي عليه وأن الناس على خلاف ما هم عليه ويتصور عنده هذا الظن الفاسد أنه حق لا يشك فيه أم ليس يمكن أن يكون هذا في العالم فإن قالوا لا يمكن أن يكون هذا في العالم أتوا بالمحال البحت وكابروا وإن قالوا بل هو ممكن موجود في الناس كثير من هذه صفته قيل لهم فما يؤمنكم من أن تكونوا بهذه الصفة ونقول لمن يؤمن بالله العظيم منهم أيقدر الله تعالى على أن يجيل حواسك كما فعل بصاحب الصفراء الذي يجد العسل مراً كالعلقم وبصاحب ابتداء الماء النازل في عينيه فيرى خيالات لا حقيقة لها وكمن في سمعه آفة فهو يسمع طنيناً لا حقيقة له أم لا يقدر فإن قالوا يقدر قيل له فما يؤمنك من أنك بهذه الصفة فإن قال إن كل من يحضرني يخبرني بأن لست من أهل هذه الصفة قيل له وهكذا يظن ذلك الموسوس ولا فرق فإنه لابد أن يقول إني أرى أني بخلاف هذه الصفة ضرورة وعلماً يقيناً قلنا له بمثل هذا سواء بسواء أمنا أن يكون الله يظلم أو يكذب أو يحيل طبيعة لغير نبي يفعل المحال مع قدرته على ذلك ولا فرق قال أبو محمد ويقال لجميع هذه الفرق حاشا من قال بقول علي الأسواري هل شنعتم على علي الأسواري لأنه إذا وصف الله تعالى بأنه لا يقدر على غير ما فعل فقد وصفه تعالى بالعجز ولابد فلا بد من نعم فيقال لهم فإن هذا نفسه لازم لكم في قولكم بأنه لا يقدر على الظلم والكذب ولا على المحال ولا على نفسه لازم لكم في قولكم بأنه لا يقدر على الظلم والكذب ولا على المحال ولا على نفسه أولاً أصلح مما فعل بعباده ضرورة لا ينفكون من ذلك فإن قلتم إن هذا لا يلزمنا قيل لكم ولا يعجز علي الأسواري عن أن يقول أيضاً إن هذا لا يلزمني وهذا لا انفكاك منه ويقال لهم إذا أخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيقيم الساعة وسيميت زيداً يوم كذا يقدر أن لايميته في ذلك اليوم وعلى أن يميته قبل ذلك اليوم أم لا فإن قالوا لا لحقوا بقول الأسواري وإن قالوا نعم أقروا أنه يقدر على تكذيب قوله وهذا هو القدرة على الكذب التي أبطلوا ونسألهم أيضاً إذ أمرنا الله تعالى بالدعاء ومنه ما قد علم أنه لا يجيب الداعي به هل أمرنا بالدعاء من ذلك فيما لا يستطيع ولا يقدر عليه أم فيما يقدر عليه فإن قالوا فيما لا يقدر عليه لحقوا بالأسواري وأوجبوا على الله تعالى القول بالمحال إذ زعموا أنه أمرنا بأن نرغب إليه في أن يفعل ما لا يقدر عليه تعالى الله عن ذلك وإن قالوا بل فيما يقدر عليه أقروا أنه يقدر على إبطال علمه والذي يدخل هذا الذي هو الكفر المجرد من إبطال دلائل التوحيد وإبطال حدوثه العالم وخلاف الإجماع غير قليل فإن قال علي الأسواري لا يلزمني إثبات العجز بنفي القدرة بل أنفي عنه الأمرين جميعاً كما قلتم أنتم أن نفيكم عنه تعالى الحركة لا يلزمه السكون ونفي السكون لا يلزمه الحركة كما تنفون عنه الضدين جميعاً من الشجاعة والجبن وسائر الصفات التي نفيتموها وأضدادها قال أبو محمد فنقول وبالله التوفيق إن هذا تمويه ضعيف لأننا نحن في نفي هذه الصفات عنه تعالى جارون على سنن واحد وفي نفي جميع صفات المخلوقين عنها كلها وأنتم قد أثبتم له قدرة على أشياء ونفيتم عنه قدرة على غيرها فوجب ضرورة إثبات العجز عنه في الأشياء التي وصفتموه بعدم القدرة عليها وأما نحن فلو وصفناه بالشجاعة في شيء أو بالحركة في وجه ما أو وصفناه بالعقل في شيء ما ثم نفينا عنه هذه الصفات في وجه آخر للزمنا حيث وصفناه بشيء منها نفي ضدها وللزمنا حيث نفينا عنه ضدها أن نثبتها له ولابد كما فعلنا في الرحمة والسخط فإننا إذا وصفناه بالرحمة لأبي بكر الصديق فقد نفينا عنه عز وجل السخط عليه وإذا نفينا عنه لأبي جهل فقد أثبتنا له بذلك السخط عليه وهذا برهان ضروري فإن موه مموه فقال ألستم تقولون أن الله تعالى لا يعلم الحي ميتاً فهل تثبتون له بنفي العلم ها هنا الجهل قلنا له وهذا أيضاً تمويه آخر بل أوجبنا له بذلك العلم حقاً لأننا إذا نفينا عنه العلم بخلاف ما الأشياء فقد أثبتنا له تعالى العلم بحقيقة ما الأشياء وهل ها هنا شيء يجهل أصلاً وإنما الجهل بشيء حق الجاهل به فقط قال أبو محمد وقد قلنا لمن ناظرنا منهم أنكم تنسبون لله تعالى علماً لم يزل فأخبرونا هل يقدر الله تعالى على أن يميت اليوم من علم أنه لا يميته إلا غداً وهل يقدر ربكم على أن يزيل الآن بنية عن مكان قد علم أنها لا تزول عنه إلا غداً وعلى رحمة من مات مشركاً مع قوله تعالى أنه لا يرحمه أصلاً أم لا يقدر على ذلك فقال لنا منهم قائل أن الله تعالى قادر على ذلك فقلنا له قد أقررتم أنه يقدر على إحالة علمه الذي لم يزل وعلى تكذيب كلامه وهذا إبطال قولكم صراحاً وقال منهم قائلون أنه تعالى قادر على ذلك ولو فعله لكان قد سبق في علمه أنه سيكون كما فعل فقلنا لهم لم نسألكم إلا هل يقدر على ذلك مع تقدم علمه أنه لا يكون فضجروا ها هنا وانقطعوا ولجأ بعضهم إلى القطع بقول علي الأسوري في أنه لا يقدر على ذلك فقلنا لهم إذا كان تعالى لا يقدر على شيء غير ما فعل ولا على نقل بنية عن موضعها فهو إذاً مضطر مجبر وذو طبيعة جارية على سنن واحد نعم ويلزم الأسواري ومن قال بقوله إن استطاعة الله ليست قبل فعله البتة وإنما هي مع فعله ولابد لأنه لو كان مستطيعاً قبل الفعل لكان قادراً على أن يفعل في الوقت الذي علم أنه لا يفعل فيه وهذا خلاف قوله نصاً وهو يقول إن الإنسان مستطيع قبل الفعل فهو أتم طاقة وقدرة من الله تعالى ويلزمه أيضاً القول بحدوث قدرة الله تعالى ولابد إذ لو كانت قدرته لم تزل لكان قادراً على الفعل قبل أن يفعل ولابد وهذا خلاف قوله وهذا كفر مجرد إذ يقول إن الإنسان قادر على غير ما علم الله تعالى أن يفعله والله تعالى لا يقدر على ذلك فإن هؤلاء جمعوا إلى تعجيز ربهم القول بأنهم أقوى منه وهذا على أشد ما يكون من الكفر والشرك والحماقة قال أبو محمد وكلهم يقول بهذا المعنى لأن جميعهم يقول إن كل مخلوق فهو قادر على كل ما يفعله من اتخاذ ولد وحركة وسكون وغير ذلك وأن الباري تعالى لا يقدر على شيء من ذلك وهذا كفر وحش جداً قال أبو محمد وسألناهم أيضاً فقلنا لهم أتقرون أن الله تعالى لم يزل قادراً على أن يخلق أم تقولون أنه لم يزل غير قادر على أن يخلق ثم قدر فقول كل من لقينا منهم وقول جميع أهل الإسلام أن الله عز وجل لم يزل قادراً على أن يخلق قال أبو محمد وهم وجميع أهل الإسلام منكرون على من قال من أهل الإلحاد أن الله تعالى لم يزل خالقاً قاطعون بأن لم يزل يخلق محال متفاسد قال أبو محمد صدقوا في ذلك إلا أنهم إذا أقروا أن قول من قال أنه لم يزل يخلق محال وأقروا أنه لم يزل قادراً على ذلك فقد أقروا بصحة قولنا وأنه تعالى قادر على المحال ولابد من هذا أو الكفر والقول بأنه تعالى لم يزل غير قادر والحمد لله على هداه لنا إلى الحق قال أبو محمد وسألناهم أيضاً فقلنا لهم هل يجوز عندكم أن يدعي الله تعالى في أن يفعل ما لا يقدر على سواه أو في أن لا يفعل ما لا يقدر على فعله فإن قالوا نعم أتوا بالمحال وإن قالوا لا يجوز ذلك قيل لهم فقد أمرنا الله تعالى أن ندعوه فنقول رب احكم بالحق ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به وهو عندكم لا يقدر على الحكم بغير الحق ولا أن يحملنا ما لا طاقة لنا به قال أبو محمد ومن عجائب الدنيا أنهم يسمعون الله تعالى يقول‏.‏

وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله وأن الله ثالث ثلاثة وأن الله هو المسيح بن مريم والله فقير ونحن أغنياء ويد الله مغلولة وكمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر‏.‏

ولا يشك مسلم في أن هذا كله كذب فأي حماقة أشنع من قول من قال إن الله قادر على أن يقول كل ذلك حاكياً ولا يقدر أن يقوله من غير أن يقول ما قيل هذه الأقوال من إضافتها إلى غيره وهذا قول يغني ذكره وسخافته عن تكلف الرد عليه قال أبو محمد ثم سألناهم فقلنا لهم من أين علمتم أن الله تعالى لا يقدر على الكذب أو المحال أو الظلم أو غير ما فعل فلم تكن لهم حجة أصلاً إلا أن قالوا لو قدر على شيء من ذلك لما أمنا أن يكون فعله أو لعله سيفعله فقلنا لهم ومن أين أمنتم أن يكون قد فعله أو لعله سيفعله فلم تكن لهم حجة أصلاً إلا أن قالوا لأنه لا يقدر على فعله قال أبو محمد فحصل من هذا أن حجتهم أنه تعالى لا يقدر على الظلم والكذب والمحال وغير ما فعل أنه لا يقدر على شيء من ذلك فاستدلوا على قولهم بذلك القول نفسه وهذه سفسطة تامة وحماقة ظاهرة وجهل قوي لا يرضى به لنفسه إلا سخيف العقل ضعيف الدين فلا بد ضرورة من أن يرجعوا إلى قولنا في أنه بالضرورة علمنا أنه تعالى لا يفعل شيئاً من ذلك كما قال أبو محمد وأما نحن فإن برهاننا على صحة قولنا أن البرهان قد قام على أنه تعالى لا يشبهه شيء من خلقه في شيء من الأشياء والخلق عاجزون عن كثير من الأمور والعجز من صفة المخلوقين فهو منفي عن الله عز وجل جملة وليس في الخلق قادر بذاته على كل مسئول عنه فوجب أن الباري تعالى هو الذي يقدر على كل مسئول عنه وكذلك الكذب والظلم من صفات المخلوقين فوجب يقيناً أنهما منفيان عن الباري تعالى فهذا هو الذي آمننا من أن يظلم أو يكذب أو يفعل غير ما علم أنه يفعله وإن كان تعالى قادراً على ذلك وقلنا لهم أيضاً إذا كان عز وجل لا يوصف بالقدرة على إبطال علمه فكان لا يوصف بالقدرة على أمانته اليوم من علم أنه لا يميته إلا غداً لأنه لا قدرة له على ذلك ولو كان له على ذلك قدرة لوصف بها فإذا جاء غد فأماته فله قدرة على إماتته حينئذٍ فقد حدثت له قدرة بعد أن لم تكن وهذا يوجب أن قدرته تعالى حادثة وهذا خلاف قولهم قال أبو محمد وفي هذا أيضاً محال آخر وهو أنه إذا حدثت له قدرة بعد أن لم تكن فمن أحدثها له أهو أحدثها لنفسه أم غيره أحدثها له أم حدثت بلا محدث فإن قالوا هو أحدثها لنفسه سئلوا بلا قدرة أحدث لنفسه القدرة أم بقدرة أخرى فإن قالوا أحدث لنفسه قدرة بلا قدرة أتوا بالمحال وإن قالوا بل بقدرة اثبتوا قدرة لم تزل بخلاف قولهم وإن قالوا غيره أحدثها له أو حدثت بلا محدث لحقوا بقول الدهرية وكفروا وفي قولهم هذا من خلاف المعقول وخلاف القرآن وخلاف البرهان ما يضيق به نفوس المؤمنين والحمد لله على معافاته لنا مما ابتلاهم به وقالوا لو فعل تعالى كل ذلك كيف كان يسمى فقلنا هذا سؤال سخيف عما لا يكون أبداً وهو كمن سأل لو طار الإنسان كم ريشة كانت تكون له وما أشبه هذا من الحماقة المأمون كونها وتسمية الباري تعالى إليه لا إلينا وبالله تعالى التوفيق وقال أبو الهذيل العلاف إن لما يقدر الله تعالى عليه كلاً وآخراً كماله أول فلو خرج آخره إلى الفعل ولا يخرج لم يكن الله تعالى قادراً على شيء أصلاً ولا على فعل شيءٍ بوجه من الوجوه وقال عبد الله ابن أحمد بن محمود الكعبي ما نعلم أحداً يعتقد هذا اليوم إلا يحيى بن بشر الأرجاني وادعى أن أبا الهذيل تاب عن هذا القول قال أبو محمد وهذا كفر مجرد لا خفاء به لأنه يجوز على ربه تعالى الكون في صفة الجماد أو المخدور المفلوج مع صحة الإجماع على خلاف هذا القول الفاسد مع خلافه للقرآن ولموجب العقل وبديهته كذا عنده وأظنه لقد شبهه تعالى بالمخلوقين قال أبو محمد وأما الأسواري فجعل ربه تعالى مضطراً بمنزلة الجماد ولا فرق ولا قدرة له على غير ما فعل وهذه حال دون حال البق والبراغيث وأما أبو الهذيل فجعل قدرة ربه تعالى متناهية بمنزلة المختارين من خلقه وهذا هو التشبيه حقاً وأما النظام والأشعرية فكذلك أيضاً وجعلوا قدرة ربهم تعالى متناهية يقدر على شيءٍ ولا يقدر على آخر وهذه صفة أهل النقص وأما سائر المعتزلة فوصفوه تعالى بأنه لا نهاية لما يقدر عليه من الشر وأن قدرته على الخير متناهية وهذه صفة شر وطبيعة خبيثة جداً نعوذ بالله منها إلا بشر بن المعتمر فقوله في هذا كقول أهل الحق وهو أن لا تتناهى قدرته أصلاً والحمد لله رب العالمين